الاثنين، 11 مايو 2009

الثقافة الإسلامية السائدة في المجتمع العادل (د. ناظم العبادي)


ملخص
الثقافة الإسلامية السائدة في المجتمع العادل هي الثقافة العليا. الثقافة العليا مصطلح استخدم لاول مرة عام 1971 ولم يتداوله البحث والتنظير بالحجم الذي يتناسب مع أهميته. هذا البحث يتعرض لاصل المصطلح ومفاهيمه واصله وما يتطابق معه من المصطلحات القرانية ومفاهيمها. اضافة الى ما يتطابق مع الثقافة العليا من مصطلحات ومعاني وردت عن النبي الاكرم (صلى الله عليه واله). وتوصل البحث الى ان الثقافة العليا تنتج عن المثال المستأنف وهي من مقدمات المثاني السبع.

1. الثقافة العليا:
عرفت الثقافة الإسلامية مصطلح (الثقافة العليا) لأول مرة في عام 1971 , حيث أشار له السيد الصدر]1[ في موسوعته: إن الإمام المهدي يأتي بالإسلام جديدا , كما جاء به رسول الله (ص) . فكانت وظيفة النبي (ص) هو التنزيل , ووظيفة المهدي (ع) هي التـأويل أي التطبيق. وأن من أهم فقرات التطبيق وخططه: تفهيم الناس المقاصد الواقعية للقران الكريم, وتثقيفهم الثقافة العليا عن هذا الطريق.
ولم نجد هذا المصطلح في التراث الإسلامي والعربي ، بل لم نجد مضمونه بهذا الشكل العلمي الواضح ، ونرى إن الثقافة العليا حلقة هامة في سلسلة حلقات المشروع السماوي ، يضاف إلى ذلك ،انطلاقها من القران الكريم ، بل قبل ذلك ، من سيرة الأنبياء وحركتهم العامة ودعوتهم للتوحيد والرقي الحضاري. ويمكن تعريفها على إنها الثقافة السائدة في المجتمع المعصوم ، أي مجتمع الدولة العادلة في المستقبل ، والتي يؤسسها الامام المهدي (ع). إن الثقافة العليا موجودة في الأصل ، باعتبارها ثقافة السماء ، التي ثقفت بها الأنبياء وجاء بها الرسل نظريا.
ان وجود الثقافة العليا في المجتمع المهدوي ، ونقصد مجتمع دولة الامام المهدي ، ليس وجودا سطحيا او عابرا، بل هو صفة اجتماعية ودالة عليهم ، فانهم مثقفون بالثقافة العليا التي تنتج عصمتهم , لأنها اصبحت سجيتهم وملكة وجدانية تسيرهم وليست أطروحات نظرية يداولوها او شعارات يرفعوها ، كما هي حال المؤمنين قبل المجتمع المعصوم.

1-1. المرحلة السابقة:
المرحلة السابقة للثقافة العليا، والتي تستوجب انجاز الثقافة العليا، هي مرحلة الثقافة الدنيا او الثقافة الجاهلية، مع الالتفات اننا لا نقصد هنا الترتيب الزمني بل الترتيب المعنوي (بالعرض وليس بالطول). وصف السيد الصدر في موسوعته هذه المراحل وصفا دقيا لاجل توضيح دواعي الثقافة العليا، بعد ان خاضت البشرية غمار الانحراف. فقال: سنتحدث... عن جهتين :احداهما: في الاساليب العامة المتخذة لتربية الامة في عهد الظهور. والاخرى: في نتائج هذه التربية، او ما يمكن ان يصل اليه المستوى الثقافي والايماني للامة الاسلامية، نتيجة للتربية المهدوية . ]2[
أن المرحلة التي تعيشها البشرية حاليا، هي البعد عن مصالحها الحقيقية، كذلك البعد عن هدفها التكاملي، وذلك بسبب الضغوطات الثقافية والسياسية والمادية. هذه المرحلة تستدعي التدخل الالهي وفقا لقاعدة اللطف الالهي والتخطيط الحكيم لاخراج البشرية من مستنقع الثقافة الجاهلية الى جنان الثقافة العليا.
يتعرض السيد الصدر الى اليات التثقيف الجاهلي واسبابه لاجل توضيح اهداف واليات الثقافة العليا فيكتب في موسوعته: الجهة الاولى: في الاساليب العامة المتخذة لتربية الامة في عصر الظهور. ويكون في الامكان ان ندرك تلك الاساليب لو استطعنا ان نحمل فكرة واضحة عن دواعي الانحراف وموجباته، في المجتمع المنحرف فيما قبل الظهور.
وتتلخص تلك الدواعي –بشكل عام- فيما يلي:
اولا: التثقيف المنحرف الموجه من قبل الدولة للاجيال الصاعدة، في المدارس والمعاهد ووسائل الاعلام بشكل عام.
ثانيا: الضغط الموجه من قبل الدولة لاطاعة وتطبيق القوانين الوضعية المخالفة للعدل الاسلامي.
ثالثا: الحاجة المالية عموما والتنافس المالي خاصة، الذي يدعو الفرد الى ارتكاب كل الاساليب في الحصول على المال، سواء في الصناعة او التجارة او خدمة الدولة او غيرها.
رابعا: التنافس الاجتماعي في توسيع السكن وتجميل الثياب وتحسين وجبات الطعام ، والحصول على الالات الحديثة الموفرة للراحة والرافعة من شان صاحبها نتيجه لهذا التنافس.
خامسا: الاغراء الجنسي، على مختلف مستوياته واشكاله. ]2[

1-2. اسلوب التثقيف:
ان الثقافة العليا تمثل اطروحة السماء مقابل الاطروحات الوضعية المعززة بالدعم المادي الضاغط الى ابعد الحدود، الا ان المانع الرئيس من قبول البشرية بالثقافة العليا هو الوهم القائل: بان السعادة تكون مع طاعة النظم الوضعية والسير مع النظام الوضعي الذي يستند الى معطيات مادية واضحة وواقعية ومنطقية.
. ويصف السيد الصدر في موسوعته حالة الفرد المعاصر كالتالي: وتتداخل هذه الاسباب وتتشعب، فيشعر الفرد المعاصر، بكل وضوح، بان السير في اتجاهها هو الاصلح له، والذي يوفر له قسطا من الراحة والهناء. ومن هنا يندفع تلقائيا الى التكيف طبقا لمتطلباتها، فيعطيها من جانبه المعنوي والخلقي ومن راحته وهنائة نفسة الشئ الكثير. ]2[
ان البشر تعيش جهلا مطبقا، فهي لا تعلم ان سعادة الدنيا والحصول على المادة والسيطرة عليها والتحكم بالموجودات المادية وتحقيق السعادة الحقيقية، كل ذلك لا يكون الا باتباع القانون الالهي، لانه موضوع من قبل خالق هذا الوجود وليس من مخلوق في هذا الوجود. ويقارن السيد الصدر في موسوعته بين الحالتين كالتالي: ومن هذا المنطلق يحدث التغيير، اذ يشعر الفرد بالراحة والهناء، بدون اسباب الانحراف ليتوفر له فرصة الهداية والسير نحو العدل والحق.
ومن هنا نستطيع ان نتبين بوضوح الاسلوب الرئيسي الجديد لتربية الامة، ضمن النقاط التالية، كل واحدة ازاء احد الدواعي السابقة:
النقطة الاولى: ان التثقيف الخاص والعام، يصبح موجها نحو طاعة الله وعبادته الحقيقية، في كل حقولها ومستوياتها، والخلق الرفيع، وذلك عن طريق كل ألسنة الدولة المهدوية.. ابتداء بالتوجيهات العليا الصادرة من الإمام (ع) نفسه، وانتهاء بأجهزة الإعلام كالإذاعة والتلفزيون والصحف. وكذلك المناهج التربوية في المدارس والمعاهد العلمية في كل العالم.
النقطة الثانية: ان الضغط بدل ان يكون موجها نحو تطبيق القانون المنحرف، سيكون موجها ضده، وسيستأصل كل منحرف وفاشل في التمحيص الالهي كما رأينا وسمعنا. وبذلك تنقطع الأرضية العامة لنمو الفساد انقطاعا كاملا، ويطبق القانون العادل الكامل تطبيقا كاملا. ]2[
ان النقطة الاولى التي وردت في اسباب الانحراف الذي تنتجه الدولة المنحرفة يكون علاجه بتطبيق الامام المهدي (ع) للنقطة الاولى الخاصة بالتثقيف المهدوي اعلاه، وهذا ينطبق على النقطة الثانية والتي تليها، والملاحظ تبعا لذلك ان ازالة الانحراف واصلاح المجتمع من قبل المهدي ينتج بسبب جهود مكثفة من قبله (عليه السلام) واتباعه، بل ان ازالة الانحراف يتطلب جهودا واجراءات اكثر مما يتطلبه الافساد والتحريف، والنتيجة الهامة من كلام السيد الصدر: ان الاصلاح المهدوي ينتج من جهود ضخمة ومكثفة، وليس كما هو شائع لدينا من تصور ساذج عن طبيعة الاصلاح المهدوي. يتوضح هذا بعد الاطلاع على الاجراءات الصعبة التي يقوم بها الامام المهدي (ع) والتي يردها السيد الصدر في موسوعته ونصها:
النقطة الثالثة: ان التنافس سيكون موجها ومركزا نحو الخير والصلاح طبقا للمفاهيم والقوانين العامة التي تصبح سائدة في ذلك العصر.
النقطة الرابعة: ان الحاجة المالي، وهي من اعظم اسس الجريمة في العالم اليوم، سوف ترتفع تماما ... ،من توفير المهدي (ع) للمال وفرة كبيرة جدا يرتفع به الدخل لكل احد، ارتفاعا كبيرا. وتتوفر فرصة العمل لكل الافراد توفرا حقيقيا بشكل متساوي.
النقطة الخامسة: ان الاغراء الجنسي المنحرف، ينعدم بالمرة، بعد تطبيق الاحكام الاسلامية في تنظيم العلاقة بين الجنسين. اذ بعد بناء النفوس والافكار بناء صالحا عن طريق التثقيف العام والخاص، سوف تتمثل هذه العلاقة على ارفع صورها واعدل اشكالها. ]2[
ان الامام المهدي (ع) يبذل جهودا جبارة من اجل اصلاح ثقافة الافراد، كما اتضح من الاجراءات الواردة من النقطة الاولى الى النقطة الخامسة، ويترتب على ذلك تكامل الافراد عقائديا وفكريا، بحيث يكون المجتمع امتدادا للعقل المهدوي ومعبرا عن ارادته، هذه النتيجة يصفها السيد الصدر كالتالي:
واما من ناحية المستوى الثقافي للامة، فتعطينا الاخبار الصورة التالية: أخرج الصدوق في اكمال الدين بسنده عن ابي جعفر (ع) قال: اذا قام قائمنا (ع) وضع يده على رؤوس العباد، وكملت بها احلامهم..... . ]2[
وتبادر الى ذهن الباحث: ان وضع اليد على الرؤوس، قد تعبر عن الولاية وإطلاق اليد في المجتمع، بحيث يتاح للمهدي (ع) ممارسة التثقيف الصالح دون منع حكومي، ودون تشويش وعرقلة من قبل الحاكم المنحرف، لعدم وجود الأخير او ضعفه.

2. المثال المستأنف:
ان اهمية الثقافة العليا ، بأعتبارها ثقافة السماء والمعصومين ، يلزم اهتمام السماء بها واشاعتها ، وبمعنى اخر هو الترويج لها واشاعتها ، لذا نرى ان استخدام مصطلح الثقافة العليا هو استخدام عصري وواقعي ، ويحتمل اشتقاقه من مصطلح (الدراسات العليا) الشائع في عصرنا ، لاعتبارات الدقة والتخصصية في الدراسات العليا والذي يميزها عن الدراسات الاولية ، كونها دراسات عامة توصل الطالب الى مقدمات الدراسات العليا ، لهذا تكون الثقافة العليا بمنزلة الكبرى او الهدف الاعلى للثقافة الانسانية بعناوينها المتنوعة ، بل الثقافات الانسانية الراقية هي من مقدمات الثقافة العليا.
وان هذا الاستنتاج من قبلنا يؤكده قول صاحب المصطلح ، حيث يشير الى وجود مفهوم الثقافة العليا باعتبارها تنتج عن المثال المستأنف ،والاخير ورد في الموسوعة، في رواية عن ابي عبدالله (ع) انه قال: يعلمون الناس المثال المستأنف. ]1[
ويقصد قيام اصحاب المهدي (ع) بنشاط ثقافي وتربوي للمجتمع وفقا لتوجيهات وتوصيات سيدهم، ويبدو ان هذا النشاط يهدف الى ترويج ثقافة عالية، وليست هي الثقافة العليا، بل هي ثقافة راقية وعالية تمهد الفرد ثم المجتمع الى ثقافة اهم واعلى من ذلك، الا وهي الثقافة العليا ، ودليله قوله: من اجل اشاعة الثقافة العليا. ]1[

3. السبع المثاني:
استنادا الى الأطروحة السابقة، تبين لنا ان العلم المستأنف هو من مقدمات الثقافة العليا, وينتج عن هذا تساؤل: ما هو هدف الثقافة العليا ؟ وهل هي المرحلة النهائية ؟
وبالرجوع الى ماورد سابقا، نورد النص كاملا عن صاحب المصطلح ]1[ وفيه: ومن الطبيعي ان يعرض القران يومئذ كما انزل ، لما سمعناه في الاخبار العديدة: بان الإمام المهدي يأتي بالإسلام جديدا , كما جاء به رسول الله (ص) . فكانت وظيفة النبي (ص) هو التنزيل , ووظيفة المهدي (ع) هي التـأويل أي التطبيق. وأن من أهم فقرات التطبيق وخططه: تفهيم الناس المقاصد الواقعية للقران الكريم, وتثقيفهم الثقافة العليا عن هذا الطريق... عن طريق الامام المهدي وعن طريق اصحابه ثانيا. والمثاني التي هي بيد اصحاب المهدي (ع) -كما نطق الخبر- هي الواردة في قوله تعالى: ((ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقران العظيم)). وقد فسرت باللغة بايات القران الكريم، وهو لا يكاد يكون صحيحا، فان الايات لا تنحصر بسبعة، الا ان يراد بها سورة الحمد خاصة، وهو تفسير وردت به بعض الاخبار الا انها لم تثبت، وهو –ايضا- خلاف ظاهر الاية الكريمة.
ولاجل تكامل المعنى نورد الخبر الذي ناقشه، وكما ورد في موسوعته: واخرج النعماني بسنده عن حبة العوني: قال: قال امير المؤمنين (ع): كاني انظر الى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القران، كما انزل. وفي خبر اخر عن ابي عبدالله (ع) انه قال: كاني بشيعة علي في ايديهم المثاني، يعلمون الناس المثال المستانف. ]2[
فاذا كان شيعة علي، وهم خاصة الخاصة، يعلمون الناس المثال المستانف، من الطبيعي ان يكون تحصيلهم الثقافي والعلمي اعلى من العلم المستانف، لانه لا يمكن لحملة العلوم الاولية ان يعلموا طلبة العلوم الاولية، بل يحتاج ذلك الى مؤهلات اعلى. ويبقى السؤال: هل ان شيعة علي (الذين ذكرهم الخبر) يحملون الثقافة العليا؟ أم مؤهلاتهم السبع المثاني؟ ونحتاج التامل فيما ورد عن صاحب الموسوعة وهو: والخبر الذي يعرب عن ذلك، لا يدل على ان اصحاب الامام (ع) يعلمون الناس المثاني نفسها- وانما قال: بايديهم المثاني، يعلمون الناس المثال المستانف. فهم ياخذون المثاني بنظر الاعتبار، من اجل اشاعة الثقافة العليا بين الناس. والمثال المستانف، هو هذه الثقافة، وهي الايديولوجية الكبرى التي يبشر بها المهدي في دولته‘ نعرف ذلك من خبر اخر اخرجه النعماني بسنده عن جعفر بن محمد (ع) انه قال: كيف انتم لو ضرب اصحاب القائم الفساطيط في مسجد كوفان، ثم يخرج اليهم المثال المستانف. ]1[

4. استعراض الروايات:
لاجل التعرف على الجذر التاريخي للمصلحات الواردة في هذا البحث، وهي المثال المستانف والسبع المثاني، دون مصطلح الثقافة العليا لحداثته الاكيدة لدينا ، تم البحث عن (المثال المستانف) و (العلم المستانف) و (المستانف) والنتائج نردها في العناوين الثانوية الآتية، وسيتم مناقشتها لاحقا.

4-1. روايات المثال المستانف:
المثال المستانف لم يرد في المصادر المتوفرة للباحث، الا انه ورد (العلم المستانف) في اكثر من مصدر، ومنها الكافي عن خطبة لامير المؤمنين (ع) وهي خطبة الوسيلة ونصه: وفي التجارب علم مستانف والاعتبار يقود الى الرشاد.]3[
ولاجل تكامل المعنى لهذه العبارة وايضاحها، يتطلب التدقيق في موضع ورودها في كلامه (عليه السلام). لذا نورد النص كاملا وهو: أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ أَنَّ الْمَوْتَ يُشْتَرَى لَاشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا الْكَرِيمُ الْأَبْلَجُ وَ اللَّئِيمُ الْمَلْهُوجُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَوَاهِدَ تُجْرِي الْأَنْفُسَ عَنْ مَدْرَجَةِ أَهْلِ التَّفْرِيطِ وَ فِطْنَةُ الْفَهْمِ لِلْمَوَاعِظِ مَا يَدْعُو النَّفْسَ إِلَى الْحَذَرِ مِنَ الْخَطَرِ وَ لِلْقُلُوبِ خَوَاطِرَ لِلْهَوَى وَ الْعُقُولُ تَزْجُرُ وَ تَنْهَى وَ فِي التَّجَارِبِ عِلْمٌ مُسْتَأْنَفٌ وَ الِاعْتِبَارُ يَقُودُ إِلَى الرَّشَادِ وَ كَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ مَا تَكْرَهُهُ لِغَيْرِكَ وَ عَلَيْكَ لِأَخِيكَ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ الَّذِي لَكَ عَلَيْهِ لَقَدْ خَاطَرَ مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ وَ التَّدَبُّرُ قَبْلَ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَمِ وَ مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الْآرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَإِ وَ مَنْ أَمْسَكَ عَنِ الْفُضُولِ عَدَلَتْ رَأْيَهُ الْعُقُولُ.]3[
ورد العلم المستانف، ايضا، في كتاب (من لايحضره الفقيه) عن كلام موجز للرسول الاكرم (ص) ونصه: العاقل من وعظته التجارب، وفي التجارب علم مستانف.]4 [
ولاجل تكامل المعنى لهذه العبارة وايضاحها، يتطلب التدقيق في موضع ورودها في كلامه (صلى الله عليه واله). لذا نورد النص كاملا وهو: ابْيَضَّتِ الْوُجُوهُ وَ بِالْكَلَامِ اسْوَدَّتِ الْوُجُوهُ وَ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَ وَرِقَكَ فَإِنَّ اللِّسَانَ كَلْبٌ عَقُورٌ فَإِنْ أَنْتَ خَلَّيْتَهُ عَقَرَ وَ رُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً مَنْ سَيَّبَ عِذَارَهُ قَادَهُ إِلَى كُلِّ كَرِيهَةٍ وَ فَضِيحَةٍ ثُمَّ لَمْ يَخْلُصْ مِنْ دَهْرِهِ إِلَّا عَلَى مَقْتٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ ذَمٍّ مِنَ النَّاسِ قَدْ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ وَ مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الْآرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَإِ مَنْ تَوَرَّطَ فِي الْأُمُورِ غَيْرَ نَاظِرٍ فِي الْعَوَاقِبِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمُفْظِعَاتِ النَّوَائِبِ وَ التَّدْبِيرُ قَبْلَ الْعَمَلِ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَمِ وَ الْعَاقِلُ مَنْ وَعَظَتْهُ التَّجَارِبُ وَ فِي التَّجَارِبِ عِلْمٌ مُسْتَأْنَفٌ وَ فِي تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ الْأَيَّامُ تَهْتِكُ لَكَ عَنِ السَّرَائِرِ الْكَامِنَةِ تَفَهَّمْ وَصِيَّتِي هَذِهِ وَ لَا تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحاً فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَع.]4 [َ
ورد العلم المستانف، ايضا، في كتاب (وسائل الشيعة) عن وصية لامير المؤمنين (ع) الى محمد بن الحنفية ونصه: العاقل من وعظ التجارب، وفي التجارب علم مستانف.]5 [
ولاجل تكامل المعنى لهذه العبارة وايضاحها، يتطلب التدقيق في موضع ورودها في كلامه (عليه السلام). لذا نورد النص كاملا وهو: بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي وَصِيَّتِهِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الْآرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَإِ وَ مَنْ تَوَرَّطَ فِي الْأُمُورِ غَيْرَ نَاظِرٍ فِي الْعَوَاقِبِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمُفْظِعَاتِ النَّوَائِبِ وَ التَّدْبِيرُ قَبْلَ الْعَمَلِ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَمِ وَ الْعَاقِلُ مَنْ وَعَظَهُ التَّجَارِبُ وَ فِي التَّجَارِبِ عِلْمٌ مُسْتَأْنَفٌ وَ فِي تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ.]5 [
ورد العلم المستانف في بحار الانوار عن كلام لامير المؤمنين (ع) ونصه: وفي التجارب علم مستانف.]6 [
ولاجل تكامل المعنى لهذه العبارة وايضاحها، يتطلب التدقيق في موضع ورودها في كلامه (عليه السلام). لذا نورد النص كاملا وهو: و قال (ع) اللجاجة تسلب الرأي و الطمأنينة قبل الحزم ضد الحزم و التدبير قبل العمل يؤمنك الندم و من تحرى القصد خفت عليه المؤن و من كابد الأمور عطب و لو لا التجارب عميت المذاهب و في التجارب علم مستأنف و في التواني و العجز أنتجت الهلكة.]6 [
ورد العلم المستانف في بحار الانوار عن خطبة لامير المؤمنين (ع) وهي خطبة الوسيلة ونصه: وفي التجارب علم مستانف والاعتبار يقود الى الرشاد.]7 [
ولاجل تكامل المعنى لهذه العبارة وايضاحها، يتطلب التدقيق في موضع ورودها في كلامه (عليه السلام). لذا نورد النص كاملا وهو: أيها الناس إن المنية قبل الدنية و التجلد قبل التبلد و الحساب قبل العقاب و القبر خير من الفقر و عمى البصر خير من كثير من النظر و الدهر يوم لك و يوم عليك فاصبر فبكليهما تمتحن أيها الناس أعجب ما في الإنسان قلبه و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها فإن سنح له الرجاء أذله الطمع و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص و إن ملكه اليأس قتله الأسف و إن عرض له الغضب اشتد به الغيظ و إن أسعد بالرضا نسي التحفظ و إن ناله الخوف شغله الحزن و إن اتسع بالأمن استلبته الغرة و إن جددت له نعمة أخذته العزة و إن أفاد مالا أطغاه الغنى و إن عضته فاقة شغله البلاء و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع و إن أجهده الجوع قعد به الضعف و إن أفرط في الشبع كظته البطنة فكل تقصير به مضر و كل إفراط له مفسد أيها الناس من قل ذل و من جاد ساد و من كثر ماله رأس و من كثر حلمه نبل و من فكر في ذات الله تزندق و من أكثر من شي‏ء عرف به و من كثر مزاحه استخف به و من كثر ضحكه ذهبت هيبته فسد حسب من ليس له أدب إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال ليس من جالس الجاهل بذي معقول من جالس الجاهل فليستعد لقيل و قال لن ينجو من الموت غني بماله و لا فقير لإقلاله أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط فطنة الفهم للمواعظ مما يدعو النفس إلى الحذر من الخطإ و للنفوس خواطر للهوى و العقول تزجر و تنهى و في التجارب علم مستأنف و الاعتبار يقود إلى الرشاد و كفاك أدبا لنفسك ما تكرهه من غيرك.]7 [
ورد العلم المستانف في تحف العقول عن خطبة لامير المؤمنين (ع) وهي خطبة الوسيلة ونصه: وفي التجارب علم مستانف والاعتبار يقود الى الرشاد.]8 [
ولاجل تكامل المعنى لهذه العبارة وايضاحها، يتطلب التدقيق في موضع ورودها في كلامه (عليه السلام). لذا نورد النص كاملا وهو: من يطلب العز بغير حق يذل و من عاند الحق لزمه الوهن و من تفقه وقر و من تكبر حقر و من لا يحسن لا يحمد أيها الناس إن المنية قبل الدنية و التجلد قبل التبلد و الحساب قبل العقاب و القبر خير من الفقر و عمى البصر خير من كثير من النظر و الدهر يومان يوم لك و يوم عليك فاصبر فبكليهما تمتحن أيها الناس أعجب ما في الإنسان قلبه و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها فإن سنح له الرجاء أذله الطمع و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص و إن ملكه اليأس قتله الأسف و إن عرض له الغضب اشتد به الغيظ و إن أسعد بالرضا نسي التحفظ و إن ناله الخوف شغله الحزن و إن اتسع بالأمن استلبته الغرة و إن جددت له نعمة أخذته العزة و إن أفاد مالا أطغاه الغنى و إن عضته فاقة شغله البلاء و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع و إن أجهده الجزع قعد به الضعف و إن أفرط في الشبع كظته البطنة فكل تقصير به مضر و كل إفراط له مفسد أيها الناس من قل ذل و من جاد ساد و من كثر ماله رأس و من كثر حلمه نبل و من فكر في ذات الله تزندق و من أكثر من شي‏ء عرف به و من كثر مزاحه استخف به و من كثر ضحكه ذهبت هيبته فسد حسب من ليس له أدب إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال ليس من جالس الجاهل بذي معقول من جالس الجاهل فليستعد لقيل و قال لن ينجو من الموت غني بماله و لا فقير لإقلاله أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط فطنة الفهم للمواعظ مما يدعو النفس إلى الحذر من الخطإ و للنفوس خواطر للهوى و العقول تزجر و تنهى و في التجارب علم مستأنف و الاعتبار يقود إلى الرشاد و كفاك أدبا لنفسك ما تكرهه من غيرك عليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه لقد خاطر من استغنى برأيه
و التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم و من استقبل وجوه الآراء عرف مواقف الخطإ و من أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول و من حصر شهوته فقد صان قدره و من أمسك لسانه أمنه قومه و نال حاجته و في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال و الأيام توضح لك السرائر الكامنة و ليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة و من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار و الهيبة و أشرف الغنى ترك المنى و الصبر جنة من الفاقة و الحرص علامة الفقر و البخل جلباب المسكنة و المودة قرابة مستفادة و وصول معدم خير من جاف مكثر و الموعظة كهف لمن وعاها و من أطلق طرفه كثر أسفه.]8 [
ورد العلم المستانف في نهج البلاغة عن امير المؤمنين (ع) ونصه: في التجارب علم مستأنف و الاعتبار يفيدك الرشاد و كفاك أدبا لنفسك ما كرهته من غيرك و عليك لأخيك مثل الذي عليه لك.]9 [

4-2. روايات المثاني والمستانف:
لاجل اتمام البحث حول المصطلحات ذات العلاقة بالثقافة العليا، وخاصة مصطلح (السبع المثاني) ومصطلح (المثال المستانف) لانهما ذوات علاقة حميمة بموضوع البحث، لانه ورد عن السيد الصدر ما جمع هذين المصطلحين مع مصطلح الثقافة العليا فقال: والخبر الذي يعرب عن ذلك، لا يدل على ان اصحاب الامام (ع) يعلمون الناس المثاني نفسها – وانما قال: بايديهم المثاني، يعلمون الناس المثال المستانف. فهم ياخذون المثاني بنظر الاعتبار ، من اجل اشاعة الثقافة العليا بين الناس. ]1[
كما اشارت هذه الدراسة الى عدم وجود (المثال المستانف) في مصادرها، الا ان (المستانف) ورد في اكثر من رواية. كذلك وردت كلمتي المثاني المستانف معا في عدد قليل من المصادر، فقد ورد في بحار الانوار نقلا عن الغيبة للنعماني. قول اباعبدالله (ع) ونصه: في الغيبة للنعماني: عن علي بن الحسين عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن الرازي عن محمد بن علي الكوفي عن عبد الله بن محمد الحجال عن علي بن عقبة عن أبي عبد الله ع أنه قال كأني بشيعة علي في أيديهم المثاني يعلمون الناس المستأنف. ]10[
ولنفس المضمون ، لكن دون الاشارة الصريحة للمصطلحين، ورد عن امير المومنين (ع) في البحار ما نصه: في الغيبة للنعماني:عن ابن عقدة عن علي بن الحسن عن الحسن و محمد ابني علي بن يوسف عن سعدان بن مسلم عن صباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن حبة العرني قال قال أمير المؤمنين ع كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة و قد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل أما إن قائمنا إذا قام كسره و سوى قبلت. ]10[
ورد في الغيبة للنعماني. قول اباعبدالله (ع) ونصه: أخبرنا علي بن الحسين قال حدثنا محمد بن يحيى العطار قال حدثنا محمد بن حسان الرازي قال حدثنا محمد بن علي الكوفي قال حدثنا عبد الله بن محمد الحجال عن علي بن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله ع أنه قال كأني بشيعة علي في أيديهم المثاني يعلمون الناس المستأنف. ]11[

5. استعراض الايات القرانية:
وردت (مثاني) في سورة الزمر – الاية 23 ونصها: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ .
وردت، ايضا، في سورة الحجر –الاية87 ونصها: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
اثناء البحث عن الاية في المصادر المتوفرة، وفي البحار ورد عن مؤلفه المجلسي راي بعيد عن ما نبحث عنه، نورده لاجل المقارنة بين ثقافتي عصره وعصرنا، واستقراء معدل التطور الثقافي وعلوه ، مقارنة مع اطروحات السيد الصدر. ونص قول المجلسي: أما المثاني فهي السور التالية للسبع الطول أولها يونس و آخرها النحل و إنما سميت المثاني لأنها ثنت الطول أي تلتها و كان الطول هي المبادي و المثاني لها ثواني و واحدها مثنى مثل المعنى و المعاني و قال الفراء واحدها مثناة و قيل المثاني سور القرآن كلها طوالها و قصارها من قوله تعالى كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ و أما المئون فهي كل سورة تكون نحوا من مائة آية أو فويق ذلك أو دوينه و هي سبع سور أولها سورة بني إسرائيل و آخرها المؤمنون و قيل إن المئين ما ولي السبع الطول ثم المثاني بعدها و هي التي تقصر عن المئين و تزيد على المفصل و سميت المثاني لأن المئين مباد لها و أما المفصل فما بعد الحواميم من قصار السور إلى آخر القرآن سميت مفصلا لكثرة الفصول بين سورها ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ انتهى. ]12[
في مستدرك الوسائل للمحدث النوري، في بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الثُّنَائِيَّةِ وَ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ غَيْرِهَا، ورد الراي الذي اشار اليه السيد الصدر ولم ياخذ به، وهو ان المثاني هي فاتحة الكتاب. قال النوري: عن مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَمَّنْ رَفَعَهُ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قَالَ هِيَ سُورَةُ الْحَمْدِ وَ هِيَ سَبْعُ آيَاتٍ مِنْهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْمَثَانِيَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي الرَّكْعَتَيْنِ.]13 [
ورد مثله في الأمالي‏للصدوق: حدثنا محمد بن قاسم قال حدثني يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أخيه الحسن بن علي قال قال أمير المؤمنين ع إن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من فاتحة الكتاب و هي سبع آيات تمامها ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سمعت رسول الله ص يقول إن الله عز و جل قال لي يا محمد وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب و جعلها بإزاء القرآن العظيم و إن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش و إن الله عز و جل خص محمدا و شرفه بها و لم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان فإنه أعطاه منها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أ لا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ الأمالي‏للصدوق ص : 176وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ألا فمن قرأها معتقدا لموالات محمد و آله الطيبين منقادا لأمرهما مؤمنا بظاهرهما و باطنهما أعطاه الله عز و جل بكل حرف منها حسنة كل واحدة منها أفضل له من الدنيا بما فيها من أصناف أموالها و خيراتها و من استمع إلى قارئ يقرأها كان له قدر ثلث ما للقارئ فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم فإنه غنيمة لا يذهبن أوانه فتبقى في قلوبكم الحسرة .]14 [
في تفسير الامام العسكري (ع) ورد ما نصه: قال الحسن بن علي (ع) قال أمير المؤمنين (ع) و إن ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ))آية من فاتحة الكتاب، و هي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم. قال: سمعت رسول الله ص يقول إن الله عز و جل قال لي يا محمد ((وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ )) فأفرد الامتنان (علي) بفاتحة الكتاب.]15 [
في تفسير العياشي ورد ذكر (سبعا من المثاني) في موردين ونصهما:
عن يونس بن عبد الرحمن عمن رفعه قال سألت أبا عبد الله ع ((وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ )) قال هي سورة الحمد و هي سبع آيات، منها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و إنما سميت المثاني لأنها يثنى في الركعتين. .]16 [
عن سماعة قال قال أبو الحسن ع ((وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ )) قال لم يعط الأنبياء إلا محمدا ص و هم السبعة الأئمة الذين يدور عليهم الفلك، و القرآن العظيم محمد عليه و آله السلام.]16 [
في تفسير فرات الكوفي ورد ذكر (سبعا من المثاني) في موردين ونصهما:
فرات قال حدثني جعفر بن أحمد معنعنا عن سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله تعالى وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قال فقال لي نحن و الله السبع الثماني و نحن وجه الله نزول بين أظهركم من عرفنا ]فقد عرفنا[ و من جهلنا فأمامه اليقين يعني الموت .]17 [
فرات قال حدثني علي بن يزداد القمي معنعنا عن حسان العامري قال سألت أبا جعفر ع عن قول الله وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قال ليس هكذا تنزيلها إنما هي وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي نحن هم ولد الولد و الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ علي بن أبي طالب (ع).]17[

6. الاستنتاجات:

6-1.ضرورة الثقافة العليا:
ان البشرية والتي بدات مسيرتها من ادم (ع) الى يومنا هذا، تخوض معركة التكامل تكوينيا، وبالتالي فانها سائرة نحو الثقافة العليا، وفقا للتخطيط الإلهي الحكيم والرحيم، وان البشرية تعي وجدانيا أخطائها ومعاناتها، ودليله انهيار الأطروحات المادية بأقلام وأيدي وحناجر أبناء هذه الأطروحات والسائرين معهم، فقد شهد العالم انهيار الأطروحة الماركسية، ونعيش اليوم، وبوضوح، انهيار نظرية الغرب الرأسمالي. فقد نطق مفكري الرأسمالية وخبرائها بفشل التنظير الرأسمالي، واقر الشجعان منهم بأحقية النظام الإسلامي، بعد ان تبين لهم ان السبب الرئيس للازمة المالية: هو الربح المترتب على نقل وتداول المال وليس نقل البضاعة او إنتاجها او تداولها. أن الإسلام حذر في قرانه الحكيم وتشريعاته من اعتماد التعاملات المالية أساسا في إنتاج الربح، وهو الربا. بل اعتمد الإسلام مبدأ الإنتاج وخدمة المستهلك بالتجارة طريقا الى الربح، إضافة الى توفيره أساليب سهلة وميسرة للربح ومنها المضاربة والشراكة وغيرها، من الأساليب التي تدفع الضرر التكويني الناتج من مخالفة القوانين الحقيقية الحاكمة. هذا الكدح البشري انتج قناعة ابتدائية تنمو تدريجيا، بضرورة البحث عن حل اخر، وهذا ما يمكن استقراؤه من معطيات التطبيق السابق للتخطيط الالهي.

6-2. مقدمات الثقافة العليا:
بعد الاطلاع على حجم الانحراف في الواقع وابعاد الانحراف وجوانبه، كما ذكرها السيد الصدر في نقاطه الخمس، وما يترتب من الجهد لازالة كل نوع من الانحراف، نستنتج حجم الجهد المطلوب لانجاح المشروع المهدوي، الذي يقضي على الثقافة الجاهلية ودولتها، ثم يمهد للثقافة العليا ويقيم دولتها، بما ييسر للبشرية تقبلها والاخذ بها والوصول الى الكمال النهائي، الذي ينتج العبادة الحقيقية، وهي الهدف الاول من الوجود، بحيث يعود ادم (ع) الى الجنة واثقا من الاطروحة الالهية الى حد بعيد، يتعذر معه الوقوع في مكائد ابليس وخدعه.

المصادر:

]1[ السيد محمد الصدر. موسوعة الامام المهدي. تاريخ ما بعد الظهور. مؤسسة بقية الله لنشر العلوم الاسلامية. 1424 هجري. ص538-539.

]2[ السيد محمد الصدر. موسوعة الامام المهدي. تاريخ ما بعد الظهور. مؤسسة بقية الله لنشر العلوم الاسلامية. 1424 هجري. ص531-537.

]3[ ثقة الاسلام الكليني. الكافي. ج8. دار الكتب الاسلامية. طهران. 1365 هجري-شمسي. ص22.

]4[ الشيخ الصدوق. من لايحضره الفقيه. ج4 . مؤسسة النشر الاسلامي. قم. 1413 هجري. ص388.

]5[ محمد بن الحسن الحر العاملي. وسائل الشيعة. ج15. مؤسسة آل البيت(ع). قم، 1409 هجري. ص281.

]6[ العلامة المجلسي. بحار الأنوار. ج68. مؤسسة الوفاء. بيروت. لبنان. 1404 هجري. ص342.
بحارالأنوار ج : 74 ص : 286

]7[ العلامة المجلسي. بحار الأنوار. ج74. مؤسسة الوفاء. بيروت. لبنان. 1404 هجري. ص286.

]8 [ الحسن بن شعبة الحراني. تحف العقول. مؤسسة النشر الإسلامي. قم، 1404هجري. ص95-96.

]9[ ابن أبي الحديد المعتزلي. شرح نهج البلاغة. ج16، مكتبة آية الله المرعشي. قم. 1404هجري.

]10[ العلامة المجلسي. بحار الأنوار.ج52. مؤسسة الوفاء. بيروت. لبنان. 1404 هجري.ص364.

]11[ محمد بن إبراهيم النعماني. الغيبة. مكتبة الصدوق. طهران. 1397هجري. ص 318.

]12[ العلامة المجلسي. بحار الأنوار. ج65. مؤسسة الوفاء. بيروت. لبنان. 1404 هجري. ص323.

]13[المحدث النوري. مستدرك الوسائل. ج4. مؤسسة آل البيت (ع). قم. 1408 هجري. ص157.

]14[ الشيخ الصدوق. الأمالي. المكتبة الإسلامية. 1404 هجري. ص175.

]15[ تفسير الإمام العسكري عليه‏السلام. الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف. قم
الطبعة: الأولى. سنة النشر: 1409 هجري. ص29.

]16[ تفسير العياشي. ج1 الناشر: المطبعة العلمية في طهران. سنة النشر: 1380 هجري. ص19. ص239.

]17[ : تفسير فرات الكوفي. الناشر: مؤسسة الطبع و النشر في وزارة الإرشاد الإسلامي. الطبعة: الأولى. سنة النشر: 1410 هجري. ص225-230.